الكرامة كذبة شيطانية


بين السطور


يقولون «كرامتك فوق كل شيء»… لكن من قال إن الكرامة دومًا حقيقية؟ أحيانًا نختبئ خلف كلمة «كرامة» لنهرب من المواجهة، من العتاب، من الإعتراف بأننا نضعف، نشتاق، نحبّ رغم الأذى.

ويقولون: «لا تسمح لأحد أن يدوس كرامتك» ، كلمات تردّدها الألسنة وكأنها قانون مقدس ،لكن لو تأملت قليلًا ستكتشف أن الكرامة التي يتحدثون عنها ليست سوى وسيلة هروب، درع زائف نحمله لنغطي خوفنا من الرفض، من الانكسار، من الظهور بمظهر الضعيف.

هي كذبة واضحة وخصوصاً عندما نستخدمها كحيلة نفسية نهرب بها من مواجهة مشاعرنا ، عندما نجعلها ذريعة لنغلق باب التسامح ، عندما نحولها إلى كبرياء أعمى يحجب عنا قيمة من أمامنا ، قيمة من ضحى بكل شي حتى الزعل والخوف الذي كان من المحتمل ان يحصل لكم ، حينها فقط تصبح الكرامة صوتًا شيطانيًا يهمس: «لا تقترب، لاتعتذر، لا تعترف… دعهم يأتون أولًا، لكن الحقيقة أن الطرف الآخر قد يكون يسمع نفس الهمس، فتبقى الأرواح عالقة بين كبرياء وكبرياء.


الكرامة التي جعلونا نقدّسها تحولت في لحظة إلى ستار نخبئ خلفه جُبننا أو عنادنا أو حتى قسوتنا ، نتذرّع بها لنُبرر جروحًا لم نداوها، وأبوابًا أوصدناها بلا رجعة.

الكرامة ليست دائمًا فضيلة ، أحيانًا تكون لعنة ، تُفرّق بين أحبة، تزرع فينا غُصة لو أننا تنازلنا قليلًا ربما عادت الأمور كما كانت، أو أفضل حتى ، لكن «الشيطان» الذي في داخل كل واحدٍ منا يهمس: «إن تراجعت… فقدت كرامتك!» فيزرع الكبرياء في قلوبنا حتى تجف مشاعرنا.

نرفع شعار الكرامة عندما نخسر شخصًا نحبه ولا نملك شجاعة الاعتراف بأننا نريده رغم كل شيء ، نرفعها عندما نكابر في لحظة كان من الممكن فيها أن نقول كلمة واحدة فتنقذ كل شيء ، نرفعها لنختبئ من أنفسنا قبل أن نختبئ من الناس.


قصة صغيرة تتكرر فينا جميعًا…

هناك من ابتعد رغم حبه الشديد لشخص آخر، وهناك من صمت رغم أن قلبه يصرخ ويقول كيف فعلت ذلك ، هناك من أغلق هاتفه، من حذف رقمًا، من عمل بلوك لشخص كان تؤام روحه، من كتب جملة جارحة فقط ليقول: «أناعندي كرامة ، لكنه في الليل يبكي وحده ويحدّث صور الذكريات مرارًا… أهذه هي الكرامة التي يريدوننا أن نحافظ عليها؟


الكرامة الحقيقية لا تُفرّق… بل تُصلح

الكرامة الحقيقية هي أن تحفظ نفسك من الإهانة، لا أن تهدم جسور الوصل ، هي أن تعرف متى تبتعد إن كان البقاء مذلًا، لكن الأهم أن تعرف متى تقاتل إن كان البُعد ظلمًا ، كيف تنسى كل شي بمبررات الكرامة، كيف تتحول من شخص يحب ويقول دائماً لحبيبه ( يعل يومي قبل يومك ) الى شخص يقول هي خصوصيتي وكرامتي ، كيف لم تحسب بحساب من يراك ولا تراه . 

ليس التنازل ضعفًا، بل أحيانًا بطولة وتضحية، ليس الاعتذار إهانة، بل رفعة ، وليس البقاء مع من نحب ضعفًا، بل شجاعة في زمن صارت فيه القلوب جبانة.


إلى كل من يقرأ…

اسأل نفسك الآن: كم مرة خذلت قلبك لأنك قلت «كرامتي»؟ كم مرة خسرت أحدًا لأنك لم تقل كلمة بسيطة؟ كم رسالة كتبتها ثم حذفتها خوفًا من أن يظهر ضعفك؟

أحيانًا لا نحتاج كرامة بقدر ما نحتاج شجاعة… شجاعة لنعتذر، لنقول «أفتقدك»، لنقر بأننا لسنا بخير بدونهم.


وأخيرًا…

الكرامة ليست كذبة دائمًا، لكنها إن تحولت إلى جدار عازل بين قلبك ومن تحب، فهي حينها كذبة شيطانية تُرضي غرورك وتقتل سعادتك.

فاختر متى تتمسك بها… ومتى تتركها جانبًا لتربح ما هو أسمى منها: قلب صادق، علاقة حقيقية، وراحة ضمير.


    الخاتمة : 

في النهاية، تذكّر دائمًا أن الكرامة لم تُخلق لتفصلنا عن قلوبنا، بل لتحمينا من الإهانة ، هي سلاح لا خنجر،  درع لا حائط ، استخدمها حين يكون الصمت كرامة، وكن شجاعًا حين يكون التراجع بقاءً للروح.

لا تجعل الكرامة شماعة نعلّق عليها عجزنا عن قول كلمة طيبة، أو خطوة صادقة نحو من يستحق ، ففي كثير من الأحيان… نصف حروب القلب تنتهي بلفظ بسيط: «أنا آسف» أو «أنا هنا رغم كل شيء».


لا تسمح للكرامة أن تكون كذبتك الشيطانية… بل اجعلها حقيقتك النقية: تحفظك ولا تحرمك، ترفعك ولا تبعدك، تحميك ولا تعزلك.

فالحياة أقصر من أن نخسر فيها من نحب باسم كبرياءٍ زائف… وقلوبنا أصدق من أن نخنقها بخوف لا نجرؤ على كسره.

فالكرامة التي تُبعدنا عن الحب ليست كرامة… بل كذبة شيطانية نصدقها ونحن نعلم أن قلوبنا أصدق منها.

كن نقيًا، عِش بكرامة حقيقية، لا تدع للشيطان فرصة أن يلبسك قناع الكبرياء الفارغ.

حين تقرأ هذه الكلمات، فكّر قليلًا: كم علاقة انتهت لأنك تمسكت بـ «كرامتك» أكثر من تمسكك بالإنسان الذي أمامك؟ كم مرة قلت «لن أعود» بينما كل ذرة فيك تتمنى أن تُطرق أبوابك؟ ، رغم انه حبك وروحك وعقلك وتؤام روحك وملاذك دائماً. 


مع السلامة  🌷

💙 دمتم محبين ومتسامحين  

ونلتقي دومًا على سطور من صدق وإلهام ✨✍️


🍃 إلى لقاء قريب بإذن الله . 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النسيان راحة ونعمة

جعلتني وحيداً بدون أحد

قصة تهز المشاعر