احذر أن تلعب دور المنقذ
أحيانًا نكبر ونحمل في داخلنا فكرة جميلة لكنها قاتلة: أن وجودنا في حياة الآخرين واجب علينا، وأننا إن لم ننقذهم من أنفسهم وأخطائهم وأوجاعهم سنكون مقصرين ، نمنح قلوبنا وعقولنا ووقتنا بلا حساب، ونصدق أن الحب وحده كافٍ ليغير إنسانًا لا يريد أن يتغير.
من السهل أن نقول إننا نحب الخير للآخرين، لكن الأصعب أن نفهم متى يتجاوز هذا الخير حدود المنطق ويصبح استنزافًا صامتًا لروحنا ، كثيرون منا عاشوا تلك القصة: شخصٌ يطرق باب قلبك مكسورًا، محطمًا، تراه في لحظة ضعفه فتظن أنك بوجودك ستكون الحل السحري لكل ما يؤلمه.
تبدأ الأمور صغيرة… نصيحة هنا، دعم هناك، احتواء في منتصف الليل، رسائل مطمئنة، وكتفٌ يبكي عليه حين يرحل عنه الجميع ، تبدو الصورة في البداية نبيلاً شهمًا، وتشعر وكأنك وجدت دورك في الحياة: أن تكون ضوءًا لمن يعيشون في الظلام.
وتبدأ الحكاية بضعف نراه فيهم، بألم نعتقد أننا الوحيدون القادرون على تضميده ، نمسك بأيديهم وهم ينهارون، نرفع رؤوسهم عندما يسقطون، نغفر المرة تلو الأخرى، ونتجاهل الرسائل الواضحة التي تقول لنا: لا أحد يطلب منك أن تكون المنقذ.
نرتدي عباءة البطولة ونحن في الحقيقة نهرب من مواجهة حقيقة مرة: بعض الناس لا يريدون أن يُنقَذوا أصلًا، وبعضهم لا يرى فيك إلا وسيلة مؤقتة، حبل نجاة إذا انقطع بحثوا عن آخر غيره.
لكن بمرور الوقت، ستكتشف أن دور المنقذ هو أكثر الأدوار قسوةً وخسارةً ، لأنك، مهما أعطيت، ستبقى بالنسبة لبعضهم وسيلة عبور، لا أكثر ، سيعتادون وجودك، يتكئون عليك، ينهضون بك، ثم يكملون طريقهم كأنك لم تكن ، والأسوأ من ذلك؟ أنك ستخرج من حكايتهم مثقلاً بأوجاع ليست لك، وأحمالٍ لم يكن من واجبك حملها.
المنقذ دائمًا خاسر ، يمنح أكثر مما يجب، يرهق قلبه حتى آخر نبضة، وينتهي به الحال خالي الوفاض إلا من خيبة وندم ، وحين يستفيق، يجد نفسه وحيدًا في معركته التي ظن أنه يقاتلها من أجل «حب» أو «صداقة» أو «عشرة».
يجب ان تعلم ان الإنقاذ مسؤولية الشخص ذاته، والإصلاح يبدأ من الداخل، لا منك ، كن داعمًا، نعم، لكن لا ترفع أحدًا على كتفيك لتبقيه واقفًا ، لا تحمل أحدًا على ظهرك خوفًا من سقوطه ، لا تدع أحدًا يستنزف طاقتك باسم الضعف أو الحاجة.
أحيانًا أعظم خير تقدمه للآخرين هو أن تدعهم يواجهون نتائج أفعالهم بأنفسهم ، ( علاقة سابقة فاشلة- قلة ثقافة- احتياجات مادية - الخ ) .
أن تدعهم يتعلمون من خساراتهم، ويتحملون مسؤولية حياتهم بدونك.
دور المنقذ يستنزفك ، يجعلك تُهمِل نفسك، أحلامك، وحتى كرامتك أحيانًا ، كم مرة سامحت من لا يستحق؟ كم مرة جاملت ضعفهم على حساب قوتك؟ كم مرة سكبت فيهم كل طاقتك، ثم وجدت نفسك في النهاية عطشًا فارغًا؟ تريد أحداً ينقذك .
تعلم أن تقول: «لا أقدر » .
تعلم أن تقول: «هذا ليس دوري » .
تعلم أن تُفرّق بين من يحتاج دعمًا حقيقيًا وبين من يستخدمك جسرًا للوصول وللعبور فقط .
ساعد، شجع، قف بجانب من يريد الوقوف، لكن لا تحمل أحدًا فوق كتفيك للأبد ، من يريد النجاة سيقاتل لينجو ، ومن لا يريد، لن ينقذه وجودك مهما كنت وفيًا ومخلصًا له .
المنقذ الحقيقي هو من ينقذ نفسه أولًا .
الخاتمة :
يجب أن تفهم انك لست بطلًا خارقًا ، بل أنت إنسان بقلبٍ يستحق أن يُنقذ أولًا من أدوار لم يُخلق لها ، دَع العالم يخوض معاركه لوحدة ، ابقَ قريبًا ممن يستحقونك، وابتعد عن من يحولون حبك إلى خدمة طوارئ متاحة 24 ساعة.
أحيانًا تكون أقوى وأصدق محبة تقدمها للآخرين هي أن تدعهم يقفون وحدهم، يتعثرون وحدهم، ثم ينهضون وحدهم .
لذلك، احذر أن تلعب دور المنقذ ، فربما في النهاية، لا تجد من ينقذك من نفسك ، لا أحد سينقذك عندما تنكسر بسبب إنقاذك للآخرين ، لذلك احذر أن تلعب دور المنقذ، فأنت لست بطلًا خارقًا… أنت إنسان، من حقك أن تعيش لنفسك، أن تعتني بقلبك قبل قلوبهم، أن تقول: «هذه معركتك وحدك… وأنا لست مسؤولًا عنها » ، لا أحد ينقذ أحدًا إلى الأبد… كلنا نحتاج أحيانًا أن نترك بعض المعارك للزمن، وبعض الأوجاع لأصحابها، وبعض الخسارات لتكون درسًا لا ينسى .
مع السلامة 🌷
💙 دمتم لأنفسكم قبل اي شي
ونلتقي دومًا على سطور من صدق وإلهام ✨✍️
🍃 إلى لقاء قريب بإذن الله.

تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق لو أحببت