المؤذي علمني درس في حياتي


بين السطور


ليس كل ألمٍ شرّ، وليس كل جرحٍ نهاية، أحيانًا نكتشف ولو  بعد حين أن من آذانا كان معلمًا متنكّرًا بوجه قاسٍ  .

 في هذه الحياة نقابل أشخاصًا يؤذوننا بكلمة أو فعل أو خذلان، يكسرون شيئًا بداخلنا ويظنون أننا لن نقف بعدها أبدًا ، لكن الحقيقة أن بعض الجراح توقظنا، وبعض الخيبات تعلّمنا كيف نحمي قلوبنا من التكرار.

لم أتخيل يومًا أن من دخل حياتي بابتسامة سيكون هو نفسه من يجرحني بعمقٍ ذات يوم ، ظننت أن النية الطيبة تكفي لتحمي القلب من الأذى، لكنني اكتشفت أن النية وحدها لا تحمي، بل الحدود هي التي تفعل.

أتذكر تلك الليلة جيدًا…

كنت أجادله بصوت منكسر:

 «ليش تظلمني؟ ليش تأذيني وأنت تعرف مكانك في قلبي؟» . 

كان صمته أقسى من الكلام، وإهماله كان يقول: «تجاوزت حدودك حين صدّقت أني مثلك!» . 

يالله ما أقساه ، كان له وجه آخر كالشيطان ولم أستطيع ان أراه طيلة هذه الفترة. 

المؤذي جعلني أدرك قيمة نفسي أكثر، جعلني أعرف أن بعض العلاقات لا تستحق أن أبقى فيها أكثر من اللازم، وأن الثقة العمياء تؤلم صاحبها أكثر من خيانة الآخر.

علمني المؤذي كيف أحب نفسي قبل أي أحد، كيف أرسم حدودي واضحة مثل الأسوار العالية، كيف أغلق الأبواب حين أرى أول إشارة خطر، وكيف أختار من يستحق البقاء بقلبي ومن لا يستحق حتى المرور بذاكرتي.

لقد تعلمت من المؤذي أن أكون واضحًا في اختياراتي، حاسمًا في قراراتي، صارمًا في حدودي.

 علمني أن أسوأ ما أفعله بنفسي هو أن أسمح لأحدهم أن يستهين بي أو بمشاعري.

ربما يؤلمنا الأذى حين يقع خصوصاً ممن قربناهم أكثر من اللازم ، لكننا نشكر الله عليه حين ننجو منه ، نشكره لأنه كشف لنا حقيقة لم نكن نراها، ولأنه دفعنا للوقوف وحدنا أقوى وأوضح وأوعى.

اليوم… أنا ممتن لذلك الألم ، نعم، ممتن !! لأنه أعاد لي نفسي من حيث كنت قد ضيّعتها في التبرير والتغاضي والسكوت ، صار درسه محفورًا بداخلي:

«ليقول لي احمِ نفسك أولًا، ولا تجعل الطيب يقودك إلى ضعفٍ يؤذيك » . 

بعض الأذى نعمة متخفية، وبعض المؤذين معلمون قساة لم يقصدوا الخير لنا، لكن الله أراد أن نتعلم منهم ، لتعديل مسارنا ورجوعنا فالوقت المناسب.

فشكرًا لله… ولهم… ولنفسي الجديدة التي عرفت قيمتها بعد أن ذاقت طعم الخيبة.


💙 في النهاية، لا أحد يُعلّمنا الدرس الأهم مثلما يفعل المؤذي: أن لا نؤذي أنفسنا بمنح الثقة لمن لا يستحق، وأن لا نكسر قلوبنا بالتعلق بمن لم يحفظها ، وأن نحمد الله على كل كشفٍ، حتى لو كان مؤلمًا.

من المؤذي تعلمت ما أسمح لأحد يمرّ نفس المرة مرتين ، اصبحت أعرف مين يستاهل يدخل قلبي ومين مكانه برا حدودي ، يمكن اللي آذاني خلّاني أتوجع، بس بنفس الوقت خلّاني أقوى وأوعى وأحنّ على نفسي أكثر.

الحمد لله على كل كشف وعلى كل خيبة فتحت عيوني.

“ما عدت مثل أول… صرت أحب نفسي أكثر، وأعرف مين أخلي ومين أخلي وراي.


     لذلك انتهت الحكاية… وابتدأت أنا.


    الخاتمة:

إلى نفسي…

لا بأس إن تأذيت مرة، لا بأس إن خُذِلت من أقربهم، لا بأس إن ظننت يومًا أن الخير يُقابَل بالخير دائمًا ، المهم أنك اليوم صرت تعرف كيف تحمي قلبك وتحب نفسك أكثر.

المؤذي رحل، ودرسه بقي محفورًا في ذاكرتي كعلامة انتصار، لا كذكرى ألم ، فلا تسمحوا لأحد بعده أن يقترب من حدودكم إلا من يستحق، ولا تجعلوا  ضعف الأمس يعيد نفسه غدًا.

“أنتِ أولًا… ومن بعدكِ يأتي العالم كله ” .


قد لا نختار من يؤذينا، لكننا نختار كيف ننهض بعدهم ،  وما أجمل أن يتحول الأذى إلى درس، والخذلان إلى يقظة، والوجع إلى نقطة بداية جديدة.

فشكرًا لكل من كشف لي حقيقتي وحقيقة من حولي. شكرًا لكل من جعلني أقوى مما كنت أتوقع ، ولعل في قلوبنا اليوم حكمة صغيرة تقول:

“ليس كل من يجرحك عدوّ، أحيانًا هو رسالة من عند الله أن تحب نفسك أكثر.

ورغم أنني تمنيت لو لم أتأذَّ يومًا، إلا أنني اليوم أقول بثقة: الحمد لله على الجرح الذي أنبت لي قلبًا أقوى، وعقلًا أصفى، وخطًا واضحًا لا يتجاوزه أحد.

المؤذي مضى، لكن درسه بقي معي عمرًا كاملاً ، بقي ليذكرني كلما ضعفت ويقول «لا تسمح لأحد أن يؤذيك مرتين » ، وأن أغلق الباب خلفه بابتسامة وأمضي… فأنا أستحق نفسي أكثر من أي أحد.

بعض الدروس لا تُنسى .. لأنها أنقذتنا من أن نُؤذى أكثر . 


مع السلامة  🌷

💙 دمتم واعين في علاقاتكم 

ونلتقي دومًا على سطور من صدق وإلهام ✨✍️


🍃 إلى لقاء قريب بإذن الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النسيان راحة ونعمة

جعلتني وحيداً بدون أحد

قصة تهز المشاعر