البائع دائماً خسران
في مدينة مزدحمة بالوجوه الباردة، كان «آدم» يسير بقلبٍ مفتوح كمتجرٍ بلا أبواب ، لم يكن لديه رفوف خشبية ولا سلّة نقود معدنية، بل كان يضع مشاعره كلها أمام الناس، مرتبة بدقة: صدقه هنا، حنان هناك، وشيء من حلمه معلّق في الزاوية، ينتظر من يشتريه.
لم يكن آدم يبيع بضاعة تكسد أو تنتهي صلاحيتها ، كان يبيع بضاعته التي لا ترى بالعين، لكنها تُنهك القلب كل من عبر به وابتاع منه شيئًا ثمينًا مقابل وعدٍ كاذبٍ أو كلمةٍ دافئة لم تعش طويلًا.
كانت ليلى آخر الزبائن وأكثرهم شراهة ، جاءت ذات مساء برذاذ خفيف دافئ ، تحمل خيبتها على كتفيها وتطلب حضنًا واسعًا يحتمل بكاءها قالت له:
«أحتاج أن أختبئ فيك قليلاً… حتى أتعافى من كل شيء» .
ضحك آدم بصمت، هزّ رأسه موافقًا، وفتح لها كل أرفف قلبه، باعها الوقت، وسهر الليل ليقنعها أن الحياة لا تزال تحتمل ، بعثر كلماته كزهورٍ على عتبة حزنها ، وبعد فترة فتح متجره لها وحدها: منحها اهتمامه كاملاً، باعها حنانه بلا فاتورة، أغرقها بكلمات لم تسمعها من أحد، وصدق وعده حين وعد ألا يخذلها أبدًا.
وفي كل مرة كانت تقول له: «أنت مختلف… أنت لا تشبه أحداً» ،وكان يصدق. كالأغبياء الذين يصدقون كل شيء جميلًا، ولو كان وهمًا.
ليلى كانت تشتري ولا تدفع، تستهلك ولا تسأل: «هل تعبت؟ هل بقي لديك ما تمنحه لي؟» .
كانت ترى فيه مرآة نقية، ولم تنتبه يوماً أنها تكسرها كل مرة تغادر دون أن تلتفت.
مرت الأيام، وبدأ متجره يخلو من مخزونه القديم ،لم يعد يملك كلمات جديدة ولا حنانًا طازجًا، صار يبيع لها من أيامه القادمة، من عمره الذي لم يعشه بعد ،
ثم جاء ذاك الليل ، الليل الذي تنطفئ فيه كل الأكاذيب ويصحو فيه كل الخاسرين ، أرسلت له رسالة قصيرة، باردة، مؤذية: «آدم… أنا آسفة، أظن أنني وجدت قلبي عند غيرك. لا تحزن… كن بخير» .
قرأها مائة مره ، أطفأ هاتفه ووضع رأسه على الطاولة كأنه يفتش عن بقية قلبه الضائع ، تذكر كل من سبقها: من مرّوا مثقَلين بالأعذار، من اشتروا حبه ليبيعوه بسعر أرخص لغيره ، تذكر أنه لم يكن بائع حب فقط… كان بائع نفسه، يقتطع من كرامته قطعةً قطعة ليُرضي زبائن لا يشبعون.
وقتها شعر آدم انها مرت فقط لأن تكون تاجرة جديدة وترغب في الوصول فقط عن طريقه، واستشعر حينها ربما خسرت في مكان آخر وارادت التعويض عنده لمكانته بين الناس، فهو المنقذ دائماً.
تعلم الدرس أخيرًا: ليس كل مشترٍ زبونٌ حقيقي ، وليس كل من يطلب الحب يستحق أن يُباع له.
حقيقة مؤلمة وصادقة :
«البائع دائماً خسران… لا أحد يربح حين يبيع روحه ووقته وماله » .
في تلك الليلة أقفل آدم متجره ، أو هكذا ظن ، لكنه يعرف نفسه… سيأتي غدٌ جديد، وسيطرق أحدهم بابه من جديد ، وسيقول: «أحتاجك قليلاً فقط…» ،وسيفتح آدم قلبه كأنه لم يتعلم شيئًا من خساراته كلها.
الخاتمة :
يا من تبيعون قلوبكم مقابل كلمة أو لحظة دفء زائفة… حافظوا على متاجركم مغلقة ، دعوا قلوبكم مُكدّسة بالحب ولا تعرضوه للمارّة الرُخصاء.
فالحب لا يُشترى من بائعٍ متعب… بل يُمنح حين يأتي مشتريه الصادق ، وإلا… ستبقون دائماً مثل آدم: بائعاً خاسراً مهما ربح من الناس.
لا تكن بائعًا رخيصًا لقلبك ، ولا تضع مشاعرك على الرف ليختار منها العابرون ، الحب سلعةٌ ثمينة… إن لم تجد من يقدّرها، أعدها لمخزنك حتى يحين موعد المشتري الذي يعرف قيمتها جيدًا.
إن كان لا بد أن تبيع، فبع فقط لمن يعرف قيمة ما تعطيه ، واحتفظ بمتجر قلبك مغلقاً أمام من يطرق بابه بلا نية صادقة ، ولا تندم أبداً… فحتى لو كنت دائماً الخاسر مادياً، سيبقى قلبك غنياً بما قدمت .
مع السلامة 🌷
💙 كن صادقاً شريفاً دائماً
ونلتقي دومًا على سطور من صدق وإلهام ✨✍️
🍃 إلى لقاء قريب بإذن الله.

تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليق لو أحببت