من استغنى فنحن عنه أغنى


بين السطور


“وما فقد الماضون مثل الذي فقدتُ

ولا لقيَ المحزون مثل الذي ألقى”

— المتنبي


تمضي بنا الحياة، ونمضي معها حاملين قلوبًا أثقلها الوفاء، وأرواحًا أنهكها الإخلاص لمن لم يحسنوا يومًا قراءة نقائنا ، كثيرون أولئك الذين مرّوا بنا، شاركونا الضحك حين أرادوا، وأداروا ظهورهم حين احتجنا حضورهم أكثر من أي وقت مضى.

في هذه الحياة سيمرّ بنا الكثير من الناس ، بعضهم يدخل قلوبنا بلا استئذان، وبعضهم يخرج منها دون وداع ، قد نُحسن، ونُعطي، ونبذل من الوقت والروح ما نظنّه كافيًا ليبقى من نحب بجانبنا، لكن الحقيقة المرّة أن بعض القلوب لا تعرف معنى الوفاء، ولا تُقدّر ما بين الأيادي حتى تفقده.

يظنّ من يستغني عنا أن رحيله سيكسرنا، أو أن غيابه سيُفرغ أيامنا من المعنى ، ولا يعلم أن من عاش صادقًا، نقيّ القلب، لا ينكسر بفقد من لم يُقدّره، بل يزدهر ويزهو ويقسو ظهره على غدر الخائنين.

نحن أغنى بمن بَقِي، أغنى بمن اختار البقاء، أغنى بأنفسنا حين نكتفي، ونغلق أبوابًا لم تطرق إلا حين الحاجة ، إن من استغنى عنّا لم يخسر شيئًا سوى فرصة لن يجد مثلها، لكنه منحنا فرصة لنكتشف أنفسنا من جديد ، لنعرف من معنا ومن ضدنا، من يحبنا لأجلنا ومن يحبنا لأجل مصالحه.


“من لم يُدرك قيمتك حيًّا في قلبه، لا يستحق أن يظلّ حيًّا في ذاكرتك.

إن الاستغناء ليس خسارة لنا بقدر ما هو نجاة، فمن استثقل وجودنا لم يكن جديرًا بالبقاء لحظة أخرى بين تفاصيلنا ، من استغنى عنا، ما علم أنه أهدانا فرصة ثمينة لنراجع أنفسنا، لنُعيد ترتيب قلوبنا، ونُنقّي أرواحنا ممن لم يكونوا إلا عبئًا على صدورنا.

ما أغنانا عمّن يرى الرحيل انتصارًا ، إن انتصارنا الحقيقي هو بقاء كرامتنا، صون مشاعرنا، والقدرة على الوقوف من جديد بلا رجاء ولا انتظار ، فلا راحلٌ يعود صادقًا، ولا قلبٌ تجاهل دفئك يومًا يستحق منك نظرة تودّد.

نحن أغنى، لا لأننا استغنينا فحسب، بل لأننا أدركنا قيمتنا حين استهان بها غيرنا ، فما أجمل أن يكون الإنسان كفايةً لنفسه، مُكتفيًا بمن بقي طوعًا لا اضطرارًا، حاضرًا بقلبه لا بجسده فقط.


علّمونا منذ صغرنا أن العِزّة في النفس لا تُشترى، وأن من باعك يومًا سيبيعك ألف مرة ، فلا تركض خلف من استغنى، ولا تُضع وقتك في تبرير وجودك في حياة من لم يعد يراك جديرًا بالبقاء.


  الخاتمة :

احتفظ بكرامتك ولا تلتفت ، من استغنى فنحن عنه أغنى، ومن بَقِي فمرحبًا به بيننا على الرحب والسعة. الحياة قصيرة جدًا لتُهدرها في التمسّك بقلوب باردة لا ترى فيك إلا محطة مؤقتة ، تجلس فيها لترتاح وتلعب وتتسلى . 

لنجعل شعارنا في العلاقات : من استغنى فنحن عنه أغنى ،  لا نطلب بقاء أحد، ولا نُرغم قلبًا على الوفاء ، فالعطاء لا يُرتجى ممن لا يعرف له قيمة ، ومن من تعود على فعل هذه الامور في حياته ، والبقاء لا يُرجى ممّن اعتاد الغياب ، وكانت له تجارب سابقة في حياته ، سلامٌ على قلوبٍ حفظت الودّ رغم الجفاء، وسلامٌ علينا حين اخترنا أنفسنا فوق كل شيء . 


مع السلامة  🌷

💙 دمتم مخلصين صادقين 

ونلتقي دومًا على سطور من صدق وإلهام ✨✍️


🍃 إلى لقاء قريب بإذن الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النسيان راحة ونعمة

جعلتني وحيداً بدون أحد

قصة تهز المشاعر